كحال الكثيرين ممن شاهدوا فيلم Gravity فاتني قدر ليس بقصير من بدايته. لا أعرف إذا كان يجب أن ألوم ألفونسو كوارون مخرج الفيلم بسبب جعله قصير بشدة، الأمر الذي يجعل لكل دقيقة تفوتها ثمن كبير، زمن عرض الفيلم هو ٩١ دقيقة فقط، أم ألوم دور العرض المصرية على بداية الحفلة الصباحية الساعة ١٠:١٥ كما تفعل مع الأفلام الطويلة التي يصل زمن عرضها لثلاث ساعات!
بينما أنا أتعثر في درجات السينما المظلمة محاولاً العثور على مقعدي بدون أن أجلس فوق أحد المتفرجين الآخرين بالخطأ، و قبل أن ألقي نظرتي الأولى على الشاشة، تمت عملية أسري، و كان المسؤول عنها هو ستيفين برايس، مؤلف موسيقى الفيلم، بس خلونا نرجع لموضوع الموسيقى دة كمان شوية.
إقرأ أيضاً: العلاقة بين ستيف جوبز و دييجو مارادونا في فيلم jOBS
Gravity هو أحد تلك الأفلام التي تدور في زمن قصير و في سياق واحد و بعدد قليل جداً من الممثلين .. إثنان فقط من أجل المزيد من الدقة. الشكل النمطي لهذه الأفلام هو الإعتماد على ممثلين موهوبين ولكن مغمورين مع تحديد أماكن أحداث الفيلم لأبعد الحدود. عادةً يلجأ مخرجو مثل تلك الأفلام و منتجيها لهذه المحدودية من أجل خفض تكاليف الفيلم و التركيز على نواة إبداعهم. و لكن في Gravity لا يتبع هذا النمط، فمكان الأحداث هو الفضاء اللامتناهي و ميزانية الفيلم سخية لأبعد الدرجات و أبطال الفيلم هما ساندرا بولوك و جورج كلوني.
في مهمة روتينية تنطلق الدكتورة ريان ستون في رحلتها الفضائية الأولى بصحبة رائد الفضاء المخضرم مات كوالسكي، في رحلته الفضائية الأخيرة، لعمل إصلاحات في تيليسكوب هابل. المهمة البسيطة تشهد كارثة تحولها لمأساة كبرى بتحطم مركبتهم الفضائية و تركهم في الفضاء بدون أي شيء سوى ما يشبه الدراجة البخارية يقودها مات و تتشبث به ريان على أمل النجاة.
قبل هذا الفيلم لم يكن من الوارد أن أصدق أن الرعب و الفزع و الحزن الشديد من الممكن أن يرتبطوا بالسحر و الجمال و الشاعرية الجياشة. نحن نشاهد على الشاشة ثلاثية الأبعاد كابوس أسوأ من أسوأ كابوس من الممكن أن نكون قد رأيناه. كابوس الوحشة و فقدان التحكم في المصير و مواجهة اللانهائية حتى يأتيك المصير المحتوم سواء بنفاذ الأوكسجين أو الإرتطام بجسم مندفع .. إلخ. و لكن الصورة التي تراها أمامك مذهلة و الأداء التمثيلي للعملاقين إستثنائي و الموسيقى التصويرية آسرة كما أوضحت من قبل.
لا أخجل من تخصيص مساحات متكررة من هذه التدوينة للثناء على موسيقى الفيلم التي كتبها الإنجليزي ستيفين برايس. ستيفين برايس لا يحمل تاريخ طويل من المساهمات كمؤلف للموسيقى و لكنه تاريخ مشرف بكل تأكيد، فهو من كتب موسيقى أفلام Attack the Block و نال عنه جوائز عدة، كما أنه مؤلف موسيقى الفيلم الكوميدي The World’s End الذي حقق نجاح كبير هذا العام، و بالنظر لهذه الأفلام، يبدو لنا كما لو كان ستيفين برايس متخصص في أفلام الفضاء و الكوارث أو الأهم من ذلك، و هو مدرسة الموسيقى الرقمية التي طغت بشدة في Gravity مع غلاف ملحمي ينقل لك هول الأحداث و الرعب المصاحب بدون أي رحمة.
تجري هارباً من موسيقى ستيفين برايس ليلتقطك ألفونسو كوارون بكل هوادة و رأفة في صورته الجميلة. في ظني، ألفونسو كوارون قرأ و ذاكر و بحث عن الفضاء و المركبات الفضائية أكثر مما تعلمنا نحن في كل العلوم الممكنة طوال عمرنا، و هو إدعاء قد يكون صحيح لأن آخر فيلم روائي طويل لكوارون، قبل Gravity, كان Children of Men منذ سبع سنوات كاملة. نقل لي Gravity صورة فضاء لم أراه من قبل في أي فيلم. جميل جداً و قاسي جداً و مفصل جداً و بالتحديد داخل المركبات الفضائية .. فهي ليست مرتبة و لامعة بالألوان الزرقاء و الحمراء أمام الخلفيات البيضاء الناصعة و لكنها … حقيقية. و قد أحسن ألفونسو كوارون بشدة في إختيار الصورة ثلاثية الأبعاد، التي لا أفضلها شخصياً و لكنها كانت موفقة بشدة في هذا الفيلم الذي يستخدم البعد الثالث ليخيفك، ليس من الأشياء التي تقترب من الشاشة و لكن، لأول مرة، من الأشياء التي تبتعد عنها.
Gravity هو أول عمل يقوم بكتابته كذلك ألفونسو كوارون، مما يرسخ لنظرية المذاكرة المؤكدة. الإبداع الحقيقي في الكتابة ينتقل بسرعة من الحبكة المبهرة ليتخطى القصة و الأحداث سريعاً و يرتكز بشدة في الحوار. حوار د. ريان مع مات و مع نفسها و مع الصوت المجهول الذي يأتيها من الأرض و مع جهاز الإتصال المعطل. تحكي فيه عن خيبة أملها و حزنها و فقدانها للأمل و الرغبة في الحياة التي تتعدى حدود الأمل نفسه … برافو! للتوضيح فقط، أنا لا أحمل أي ضغائن لأحداث الفيلم و لكني بعض اللحظات كادت تخرجني من الأجواء … يعني مثلاً …. Wall-E …. إنت بتتكلم بجد؟!!
ثقة جورج كلوني في كل شيء يقدمه أصبحت خارج نطاق النقد، لذلك لن أتحدث عنها كثيراً و لكن قدرة ساندرا بولوك على ملأ هذه الشاشة و ترجمة تلك اللحظات كان مفاجأة بالنسبة لي. ساندرا بولوك هي من أكثر الممثلات الذن حصلن على فرص لإعادة البعث من جديد. فبعد إنطفاء نجمها في منتصف العقد السابق جاءتها فرص The Proposal و The Blind Side لتحصد جائزة الأوسكار و تبدأ في التراجع مجدداً ليلتقطها ألفونسو كوارون و يقدمها كمرشح أعظم لنيل الجائزة للمرة الثانية.
أعود للسؤال مرة أخرى، هل أخطأ ألفونسو كوارون في جعل زمن الفيلم بهذا القصر؟ الإجابة هي لا! بل أنا في الحقيقة منبهر بقدرته على إدامة حالة السحر لتسعين دقيقة كاملة.
أنا ضروري هادخل Gravity مرة أخرى لتعويض اللحظات التي فاتتني من الفيلم الرائع الذي يعد مقدمة ولا أروع لموسم الجوائز و أصبحت الآن متفائلاً جداً بنهاية سينمائية قوية لعام سينمائي كان محبط إلى أبعد الحدود.
إقرأ أيضاً: جوني ديب يستحضر روح جاك سبارو في The Lone Ranger